الاثنين، 11 مايو 2009

التراحم والتسامح

التراحم والتسامح

العناصر :
ما معني التسامح والتراحم؟
أهمية التسامح والتراحم.
حث الإسلام علي التراحم والتسامح.
نماذج من تسامح المسلمين وتراحمهم..
بعض الشبهات والرد عليها.
مجالات التراحم والتسامح.
................................................................................
مقدمة:
أيّها المسلمون، في زمن الإحباط واليأس، في سنواتِ الشدّة والبأس، في عصر تقلُّبات القيَم والموازين، وفي أوقاتِ نَكس المبادئ والمفاهيم، في ساعات قعقعةِ السّلاح واسترخاص الأرواح، في زمنِ قهرِ الأقوياء للضعفاء واستطالة الأغنياء على الفقراء وتعالي المتكبرين على البسطاء، في موج هذه الحضارة ولُجَجِها، ما أحوجَ الأممَ إلى أن يرسوَ مركبُ حضارتِها على ضِفاف المبادئ النبيلة ، ويستوي فلكُها على جوديّ القيَم السامية الجميلة، فتضمَّد على تلك الضفاف المواجعُ والجروح، وتتسامى بنبيل صفاتِ النفس والروح . عباد الله - أن للحياة ركائز تعتمد عليها، وأسساً تنبني عليها، ومعاني سامية تناط بها المنافع والمصالح، ومن هذه المعاني العظيمة، والصفات الكريمة والمعاني السامية والمبادئ الأخلاقية السليمة التي تسعد بها الحياة وتسعد بها البشرية جمعاء ويتعاون بها الخلق فيما بينهم صفة أو خلق : ( الرحمة والتسامح ) . ما أحوج الأمة أن تتخلق وأن تتعايش بهذا الخلق العظيم وبخاصة ونحن في هذه الأيام .
¨ وبداية: ما معني التسامح والتراحم؟
إن الرحمة خلق اسلامي يدور حول الرقة والرأفة والود والعطف وإرادة إيصال الخير للناس وهي مأخوذة من اسم الله الرحمن والرحيم وجاءت منها صلة الأرحام التي تجمع الأهل والأقربون في مجمع الحب والإخاء ومنها رحم المرأة الذي يكون مركزا ومجمعاً ومكانا به يرحم الولد .,
أما صفة السماحة فإنها تدل علي السهولة واللين واليسر وطلاقة الوجة واستقبال الناس بالبشر والطيابة والجود والعطاء والكرم والسخاء .
وضدهما الشدة وغلظة القلب والعسر والجفاء .
ولاحظ معي أخي الكريم أن هذا هو معنى الرحمة والسماحة والإنسان منا لا يكفي أن يتصف بهاتين الصفتين وفقط بل لابد أن يتصف حقا بصفتي التراحم والتسامح فهاتان الصفتان هما صيغة مفاعلة , لابد للإنسان أن يتعايش بهما ويتعامل بهما مع الناس بل لابد أن يسود المجتمع جو من التسامح والتراحم . ولماذا ؟
أهمية التسامح والتراحم:
1. أولاً سبب إلى رحمة الله عز وجل في الدنيا والآخرة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) ((من لا يرحم لا يُرحم)).
2. ولأن الإسلام دين الرحمة، فتعاليمه جاءت لتحقيق الخير والعدل والرخاء والحق والسلام، والعبودية لله رب العالمين، ولدحض الباطل، واجتثاث جذور الشر، قال الله تعالى لنبيه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك .....
3. ولأن الرحمة صفة كمال في المخلوق لابد أن يتعاطف بها الخلق فيما بينهم ، ويشفق القوي فيهم على الضعيف، فيحنو عليه بما ينفعه، ويمنع عنه شره، ويتوادُّ بها بنو آدم ففي الحديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) .
4. بل إن الإسلام شمل برحمته كل شيء حتى الحيوان البهيم وغيره؛ لأنه دين الرحمة والعدل والسلام وأمر المسلمين بالتمسك بالرحمة في أرفع معانيها، عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله فمسح ذفراه، فسكت، فقال: ((من رب هذا الجمل؟)) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: ((أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه)) [رواه أحمد وأبو داود].

فيا أيها المسلمون، ما أحوج البشرية إلى هذه المعاني الإسلامية السامية، وما أشد افتقار الناس إلى التخلق بالرحمة التي تضمّد جراح المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، ولا سيما في هذا العصر، الذي غاضت فيه الرحمة من أكثر الخلق، فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال، ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء، لا يسمع فيه إلا للغة القوة، ومنطق القدرة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
حث الإسلام علي التراحم والتسامح:
من أجل هذا كله وغيره حث الإسلام التراحم والتسامح وجعله من دلائل الإيمان الكامل :
¨ من روضة القرآن :
ü قال تعالي : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) محمد
ü ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) البلد
ü وَقالَ تَعَالَى : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ } [ الضحى : 9-10 ]
ü قَالَ الله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 215 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ } [ المائدة : 54 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 12 ]
ü قَالَ الله تَعَالَى : { وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنينَ } [ آل عمران : 134 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ } [ الأعراف : 199 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34-35 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { وَلَمنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }.
ü قَالَ الله تَعَالَى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ } [ الأعراف : 199 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [ الحجر : 85 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ } [ النور : 22 ] ، وقال تَعَالَى : { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ } [ آل عمران : 134 ] ،
ü وقال تَعَالَى : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [ الشورى : 43 ]
¨ من روضة السنة النبوية :
ü عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ ». لَمْ يَقُلْ مُسَدَّدٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-. رواه أبو داوود في سننه (صحيح )
ü عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ -صلى الله عليه وسلم- صَاحِبَ هَذِهِ الْحُجْرَةِ يَقُولُ « لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِىٍّ » رواه أبو داوود في سننه (حسن )
ü عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَرْوِيهِ - قَالَ ابْنُ السَّرْحِ - عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا ». رواه أبو داوود في سننه (صحيح )
ü عن أبي هريرة قال : أبصر الأقرع بن حابس التميمي النبي صلى الله عليه و سلم يقبل الحسن بن علي فقال : إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم : ( من لا يرحم لا يرحم ) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
ü عن أنس ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم ) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
ü عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى ) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
ü عن أبي هريرة قال : أبصر الأقرع بن حابس التميمي النبي صلى الله عليه و سلم يقبل الحسن بن علي فقال : إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم ؟ فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم : ( من لا يرحم لا يرحم ) . صحيح ابن حبان .
ü قال ( ص) : لن تؤمنا ختي ترحموا قالوا : يارسول الله كلنا رحيم قال إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة عامة . رواه الطبراني.
نعم فإن الرجل قد يهش لأصدقائه او أولاده بيد أن الأمر لابد أن يكون الأمر أوسع من ذلك , لابد أن يوسع بشاشته ومودته للدنيا كلها
ü وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق ، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ )) رواه مسلم .
ü وعنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ )) رواه مسلم .
ü وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَال أعْرَابيٌّ في المسجدِ ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ ، فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( دَعُوهُ وَأرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ ، فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ )) رواه البخاري .
ü وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
ü وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أوْصِني . قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) ، فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) رواه البخاري .
ü وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّار ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّار ؟ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ ، هَيّنٍ ، لَيِّنٍ ، سَهْلٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
ü عن جابر - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى )) رواه البخاري .
ü وعن أَبي قتادة - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( مَنْ سَرَّهُ أنْ يُنَجِّيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ )) رواه مسلم.
ü وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، وَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِراً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ ، لَعَلَّ اللهَ أنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

نماذج من تراحم المسلمين وتسامحهم :
عن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : (( لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أشَدُّ مَا لَقيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيْلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْني إِلَى مَا أرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأنا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلاَّ وأنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ((2)) ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، وَإِذَا أنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبريلُ - عليه السلام - ، فَنَادَاني ، فَقَالَ : إنَّ الله تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَد بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بمَا شِئْتَ فِيهِمْ . فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللهَ قَدْ سَمِع قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأنا مَلَكُ الجِبال ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبِّي إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ، إنْ شئْتَ أطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ )) . فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنْتُ أمشي مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدةً ، فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مُر لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ . فَالتَفَتَ إِلَيْهِ ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن أبي هريرة قال : قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة .
وهذا أبو عبيدة بن الجراح في مصالحته لأهل الشام صالحهم علي الإبقاء علي معابدهم وكنائسهم داخل المدن وخارجها مصونة لا يهدم منها شيء بل فرض علي المسلمين حمايتهم إذا اعتدي عليهم.
وهذا رسول الله ( ص) لما كان يقسم الغنائم جاءه رجل وقال اعدل فإن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله , فقال النبي صلي الله عليه وسلم ويحك فمن يعدل إذا أعدل خبت وخسرتُ إذا لم أعدل . وكاد الصحابة أن يقتلوه ولكن النبي رفض ( ص) .
عفو النبي وتسامحه عن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول مع سبه واستهزائه بالرسول ( ص) .
عفو سيدنا أبو بكر عن مسطح بن أُثاثه لما تكلم في عرض السيدة عائشة في حادثة الإفك مع أنه كان يعيش علي إحسان سيدنا أبو بكر فلما سمع أبو بكر كلامه حلف أن يترك الإحسان عليه فنزل قول الله تعالى : وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) النور فعاد أبو بكر بعطائه الاول قائلاً إني أحب أن يغفر الله لي .
بعض الشبهات والرد عليها :
وقد يقول البعض إن القصاص ليس فيه دليلا علي الرحمة ؟
الجواب : إن الإسلام هو دين الرحمة ولكن رحمة فيها عقل وتعقل وفيها عدل ونظام نعم إنها عاطفة ترعى حقوق الآخرين , إن منظر قطع اليد والجلد يستدعي الشفقه والرحمة ولكن إذا علمت أن هذا من تقطع يده سرق أموال الناس وأخافهم وأرعبهم وهذا الذي يجلد مثلا لشرب الخمر وسكره واعتدائه علي الناس بسكره لقمت معهم بالقطع والجلد , هذا من ناحية ومن ناحية أخري فمعاقبة هؤلاء المجرمين فيها أمان لكل الناس ولذا قال ربنا : ولكم في القصاص حياة ... البقرة
شبهة ثانية : قوله تعالى : أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين , أشداء علي الكفار رحماء بينهم , هذه الآيات ذكرت الشدة في سياق الحديث عن الرحمة إذا فليس هناك فائدة للرحمة
الجواب إن الإسلام أمر بالرحمة لكل المخلوقات ولكن هناك أنساس أشر علي البشرية بل هو خطر عظيم علي البشرية فيكون من الصالح للمجتمع ان يمنع هذا عن شره وخطره ويكون هذا رحمة بالمجتمع كله .
مجالات التراحم والتسامح :
والآن جاء وقت التطبيق:
هناك مجالات كثيرة تدخلها الرحمة والتسامح :
الرحمة بالوالدين بأن تحسن إليهم وتبرهم قال تعالي: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الإسراء
الرحمة بالأقارب وصلة الأرحام بأن تصل هذه الرحم ولا تقطعها وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء
الرحمة بالأطفال بأن تعاملهم معاملة حسنة وتربيهم على النهج الإسلامي : فعن أبي هريرة قال : أبصر الأقرع بن حابس التميمي النبي صلى الله عليه و سلم يقبل الحسن بن علي فقال : إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم : ( من لا يرحم لا يرحم ) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
عن أنس ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم ) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
الرحمة بالنساء بالمعاشرة بالمعروف : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) النساء
الرحمة بالخدم أن نعاملهم معاملة طيبة
الرحمة بالحيوان بأن لا نشق عليه ولا نحمله ما لا يطيق : دخلت مرأت النار في هرة .....
الرحمة بالعصاة بأن نأخذ بأيديهم إلي طريق الله والجنة قال تعالى : كذالك كنتم من قبل فمن الله عليكم.
التسامح والتراحم بين المسلمين
الرحمة بجسدك فلا تطعمه إلا من حلال وإياك والمحرمات وبخاصة السجائر وماشابهها .
الرحمة بالمسلمين المستضعفين المضطهدين في كل مكان وخاصة إخواننا في فلسطين وغزة بأن ندعوا لهم ونجاهد معهم بأموالنا ونقاطع منتجات عدوهم.
الرحمة بالمساكين والفقراء واليتامى : وَقالَ تَعَالَى : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ } [ الضحى : 9-10 ]

هناك تعليق واحد: